الإسلام دين الوسطية والاعتدال

مظاهر الوسطية والاعتدال في الإسلام إنَّ الإسلام دينٌ وَسطيٌّ، ويُستَدلُّ على وسطيَّته من خلال النَّظر في عقائده، ومبادئه، وأصوله العلميَّة، وأخلاقه، وعباداته، وشرائعه، وأحكامه؛ أي أنَّ الاعتدال والوسطيَّة سمةٌ بارزةٌ لكلِّ ما له علاقةٌ بدين الإسلام، وجاء في العديد من الآيات وَصف الإسلام بالصِّراط المُستقيم، كما في قوله -تعالى-: (وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ)،[١] وطَلب العباد من الله -تعالى- أن يُيسِّر لهم الهداية للصِّراط المستقيم، كما في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).[٢][٣]

وسطية الإسلام في الاعتقاد إنّ عقيدة الإسلام وما يجب الإيمان فيه وسطيٌّ، وتتضمّن العقيدة الإسلاميَّة الإيمان بأنَّ للكون خالقاً أزليَّاً أبدياً واحداً لا شريك له، بينما نجد من يؤمن بأكثر من خالقٍ وبآلهةٍ متعدِّدةٍ، ويشركون بها الإيمان بالله -تعالى-، أو يؤمنون بأوثانهم وآلهتهم من دون الإيمان بالله -عزَّ وجل-؛ فيقومون بتَقديسها، وتوجيه كلِّ صور العبوديَّة لها من دون الله -تعالى-، لتختلط عندهم الفِطرة السَّويَّة بالإيمان بوجود خالقٍ بالباطل الذي يدَّعي تَعدُّد الآلهة، ونَجد على كذلك الذين يَجحدون بوجود الخالق، ويؤمنون بأزليَّة المادَّة، وأنَّ كلَّ ما على الأرض من مظاهرٍ بما فيها الحياة ووجود الإنسان هي مَحضُ صُدفةٍ، نتجت عن الحركة الدَّائمة للمادَّة وتطورها، فينفون فكرة الإله تماماً، ومنهم مَن يُعدِّد وجود الآلهة، وفي المقابل نجد الإسلام في عقيدته المُتمثِّلة بوجود خالقٍ للكون، ولكنَّه واحد، ليحتل الإسلام مَكاناً مُنفرداً في المُنتصف بين هذين التَّطرُّفين السابقين -من يُعدّد الآلهة ومن ينكر وجود إله-.[٤] ومن زاويةٍ أُخرى وبشكلٍ أكثر تحديداً، نجد عقيدة أهل السُّنة والجماعة تقفُ أيضاً في المُنتصف بين تطرُّف المُجسِّمة والذين يُشبِّهون الله -عزَّ وجل- بخَلقه -تعالى عن ذلك علواً كبيراً- وبين تَطرُّفِ من يُعطِّل صِفات الله -سُبحانه وتعالى-، لنَجد أهل السُّنة والعقيدة في وَسطيَّتهم يُثبتون كلَّ صفات الكَمال لله -تعالى-، ويُنزِّهونه عن كلِّ ما لا يَليق به من صِفات النَّقص، وأنَّه مع ذلك ليس كمثلهِ شَيء، وهم في المُنتصف أيضاً بين من يدَّعي أنَّ الإنسان يَخلق أفعاله بنفسه، وبين من يَرى أنَّ الإنسان لا يَملك من الأمر شيء، وأنَّه مَجبورٌ على كلِّ ما كُتب عليه، ليأتي أهل السُّنة والعقيدة ويُثبتوا أنَّ الإنسان مُنِحَ الإرادة في الحياة الدُّنيا من قِبل الله -تعالى-، ليتِمَّ مُحاسبته على أفعاله لاحقاً، وأنَّ كلَّ شيءٍ يَحدث في النَّهاية بمشيئة الله -تعالى-.[٤] وبسبب وَسطيَّة الإسلام في عقائده، وقُبول العُقول السَّليمة له؛ استطاع الإسلام تَنقية النُّفوس ممَّا عَلِقَ بها من آثار العقائد المنحرفة من الشِّرك وقيم الجاهليَّة، والتي كانت تَتمثَّل بعبادة الكواكب، أو عبادة الملائكة، أو القُول بأنَّ الملائكة بناتُ الله -تعالى-، واستطاع تَغيير العَقائد المُشوَّهة والمُتعلِّقة بالقضاء والقَدر، والبعث، والحساب، واليوم الآخر، إمِّا من خلال إثباتها، أو من خلال تَصحيح ما يتعلَّق بها من مفاهيم مُنحرفة، ثُمَّ وضَّح الإسلام عقيدته وعلاقة المَخلوق بالخالِق، وعلاقة الإنسان بالكون ومُهمَّته فيه، لتجعله إنساناً سَويَّاً في أفكاره وعقائده، وقادراً على حَمل الأمانة وأداء المهمَّة التي خلق من أجلها.[٥]