يَمتاز الإسلام بموقعة الوسطيِّ أيضاً في نِطاق الأخلاق وكيفيَّة التَّعامل معها وتعريفها التَّعريف الصَّحيح، فالإسلام لا يتعامل مع الإنسان على أنَّه مثاليُّ وملائكيُّ كما فعل بعض الغُلاة، وأرهقوا الإنسان بقيمٍ خياليَّةٍ لا يمكن الوصول إليها، لكنَّه أيضاً لا يأخذ بقول غلاة الواقعييِّن الذين عَدُّوا الإنسانَ حيواناً من الحيونات، وقَبلوا له من السلوكيات ما لا يليق به، فجاء الإسلام بين هذا وذاك، وأعلن عقيدته الوسطيَّة تجاه الأخلاق والإنسان؛ ليبيِّن أنَّ الإنسان مَخلوقٌ مُركَّب، فيه عقلٌ وإرادة، وفيه شَهوةٌ وضعف، وفيه غرائز، وفيه روحانيَّة الملائكة، وأنَّ الله -تعالى -أرشده للسَّبيلين؛ سَبيل الهداية وسبيل الضَّلال، وترك له حريَّة الاختيار، ليتمَّ بعدها مُحاسبته على اختياره الحُرِّ يوم القيامة.[٨] ومن تطبيقات وسطيَّة الإسلام في الأخلاق؛ كيفيَّة التَّعامل مع الأخلاق وتعديلِ مَفهومها لدى النَّاس؛ فخُلُق العَدل مثلاً والذي يَدعو إليه الإسلام يتضمَّن إعطاء جميع أصحاب الحقوقِ حقوقَهم، وبالقَدر الذي يَستحقُّونه، بلا زيادةٍ تؤدي إلى الشَّطط ولا نُقصانٍ يؤدِّي إلى الظُّلم، وخُلُق الشَّجاعة في الإسلام يأتي في المُنتصف بين التَّهور وإلقاء النَّفس إلى التَّهلُكة، وبين الجُبن المَذموم، وخُلُق الحِلم في الإسلام يأتي وسطيَّاً بين اللَّامبالاة والتَّهاون، وبين سُرعة الغضب وعدم السَّيطرة على النَّفس، وخُلُق الكرم يأتي بين الإسراف والتَّبذير، وبين الإمساك والبُخل، ويأتي خُلُق التَّسامح بين طرف ضياع الحُقوق وظلم النَّفس والسماح للآخرين بالاعتداء عليها، وبين الظُّلم والتَّعدي والجُور، فهو خُلقٌ نابعٌ من قوَّةٍ لا من ضعف، ولا يُؤخذ ذَريعةً لإسقاط الحقوق، كما في قوله -تعالى-: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).[٩][١٠]